الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: فتح الباري شرح صحيح البخاري **
*3* الشرح: قوله: (باب إقامة المهاجر بمكة بعد قضاء نسكه) أي من حج أو عمرة. الحديث: حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ حَمْزَةَ حَدَّثَنَا حَاتِمٌ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ حُمَيْدٍ الزُّهْرِيِّ قَالَ سَمِعْتُ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ يَسْأَلُ السَّائِبَ ابْنَ أُخْتِ الْنَّمِرِ مَا سَمِعْتَ فِي سُكْنَى مَكَّةَ قَالَ سَمِعْتُ الْعَلَاءَ بْنَ الْحَضْرَمِيِّ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَلَاثٌ لِلْمُهَاجِرِ بَعْدَ الصَّدَرِ الشرح: قوله: (حدثنا حاتم) هو ابن إسماعيل المدني. قوله: (سمعت عمر بن عبد العزيز يسأل السائب) أي ابن يزيد. قوله: (ابن أخت النمر) تقدم ذكره قريبا في المناقب النبوية. قوله: (العلاء بن الحضرمي) اسمه عبد الله بن عماد، وكان حليف بني أمية، وكان العلاء صحابيا جليلا، ولاه النبي صلى الله عليه وسلم البحرين، وكان مجاب الدعوة، ومات في خلافة عمر، وما له في البخاري إلا هذا الحديث. قوله: (ثلاث للمهاجر بعد الصدر) بفتح المهملتين أي بعد الرجوع من مني، وفقه هذا الحديث أن الإقامة بمكة كانت حراما على من هاجر منها قبل الفتح، لكن أبيح لمن قصدها منهم بحج أو عمرة أن يقيم بعد قضاء نسكه ثلاثة أيام لا يزيد عليها، وبهذا رثى النبي صلى الله عليه وسلم لسعد بن خولة أن مات بمكة، ويستنبط من ذلك أن إقامة ثلاثة أيام لا تخرج صاحبها عن حكم المسافر، وفي كلام الداودي اختصاص ذلك بالمهاجرين الأولين، ولا معنى لتقييده بالأولين، قال النووي معنى هذا الحديث أن الذين هاجروا يحرم عليهم استيطان مكة، وحكى عياض أنه قول الجمهور، قال: وأجازه لهم جماعة يعني بعد الفتح، فحملوا هذا القول على الزمن الذي كانت الهجرة المذكورة واجبة فيه، قال: واتفق الجميع على أن الهجرة قبل الفتح كانت واجبة عليهم، وأن سكنى المدينة كان واجبا لنصرة النبي صلى الله عليه وسلم ومواساته بالنفس، وأما غير المهاجرين فيجوز له سكنى أي بلد أراد سواء مكة وغيرها بالاتفاق، انتهى كلام القاضي، ويستثنى من ذلك من أذن له النبي صلى الله عليه وسلم بالإقامة في غير المدينة، واستدل بهذا الحديث على أن طواف الوداع عبادة مستقلة ليست من مناسك الحج، وهو أصح الوجهين في المذهب، لقوله في هذا الحديث " بعد قضاء نسكه " لأن طواف الوداع لا إقامة بعده، ومتى أقام بعده خرج عن كونه طواف الوداع، وقد سماه قبله قاضيا لمناسكه فخرج طواف الوداع عن أن يكون من مناسك الحج والله أعلم. وقال القرطبي: المراد بهذا الحديث من هاجر من مكة إلى المدينة لنصر النبي صلى الله عليه وسلم ولا يعني به من هاجر من غيرها لأنه خرج جوابا عن سؤالهم لما تحرجوا من الإقامة بمكة إذ كانوا قد تركوها لله تعالى، فأجابهم بذلك، وأعلمهم أن إقامة الثلاث ليس بإقامة، قال: والخلاف الذي أشار إليه عياض كان فيمن مضى، وهل ينبني عليه خلاف فيمن فر بدينه من موضع يخاف أن يفتن فيه في دينه فهل له أن يرجع إليه بعد انقضاء تلك الفتنة؟ يمكن أن يقال إن كان تركها لله كما فعله المهاجرون فليس له أن يرجع لشيء من ذلك، وإن كان تركها فرارا بدينه ليسلم له ولم يقصد إلى تركها لذاتها فله الرجوع إلى ذلك انتهى. وهو حسن متجه، إلا أنه خص ذلك بمن ترك رباعا أو دورا، ولا حاجة إلى تخصيص المسألة بذلك، والله أعلم. *3* الشرح: قوله: (باب التاريخ) قال الجوهري: التاريخ تعريف الوقت، والتوريخ مثله، تقول أرخت وورخت. وقيل اشتقاقه من الأرخ وهو الأنثى من بقر الوحش، كأنه شيء حدث كما يحدث الولد، وقيل هو معرب، ويقال أول ما أحدث التاريخ من الطوفان. قوله: (من أين أرخوا التاريخ) كأنه يشير إلى اختلاف في ذلك، وقد روى الحاكم في " الإكليل " من طريق ابن جريح عن أبي سلمة عن ابن شهاب الزهري " أن النبي صلى الله عليه وسلم لما قدم المدينة أمر بالتاريخ فكتب في ربيع الأول " وهذا معضل، والمشهور خلافة كما سيأتي، وأن ذلك كان في خلافة عمر. وأفاد السهيلي أن الصحابة أخذوا التاريخ بالهجرة من قوله تعالى: الحديث: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ قَالَ مَا عَدُّوا مِنْ مَبْعَثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا مِنْ وَفَاتِهِ مَا عَدُّوا إِلَّا مِنْ مَقْدَمِهِ الْمَدِينَةَ الشرح: قوله: (حدثنا عبد العزيز) أي ابن أبي حازم سلمة بن دينار. قوله: (ما عدوا من مبعث النبي صلى الله عليه وسلم) في رواية الحاكم من طريق الزبيري عن عبد العزيز أخطأ الناس العدد، ولم يعدوا من مبعثه ولا من قدومه المدينة، وإنما عدوا من وفاته. قال الحاكم: وهو وهم، ثم ساقه على الصواب بلفظ: ولا من وفاته، إنما عدوا من مقدمه المدينة. والمراد بقوله أخطأ الناس العدد أي أغفلوه وتركوه ثم استدركوه، ولم يرد أن الصواب خلاف ما عملوا. ويحتمل أن يريده وكان يرى أن البداءة من المبعث أو الوفاة أولى، وله اتجاه لكن الراجح خلافه. والله أعلم. قوله: (مقدمه) أي زمن قدومه، ولم يرد شهر قدومه لأن التاريخ إنما وقع من أول السنة. وقد أبدى بعضهم للبداءة بالهجرة مناسبة فقال: كانت القضايا التي اتفقت له ويمكن أن يؤرخ بها أربعة: مولده ومبعثه وهجرته ووفاته، فرجح عندهم جعلها من الهجرة لأن المولد والمبعث لا يخلو واحد منهما من النزاع في تعيين السنة، وأما وقت الوفاة فأعرضوا عنه لما توقع بذكره من الأسف عليه، فانحصر في الهجرة، وإنما أخروه من ربيع الأول إلى المحرم لأن ابتداء العزم على الهجرة كان في المحرم، إذ البيعة وقعت في أثناء ذي الحجة وهي مقدمة الهجرة، فكان أول هلال استهل بعد البيعة والعزم على الهجرة هلال المحرم فناسب أن يجعل مبتدأ، وهذا أقوى ما وفقت عليه من مناسبة الابتداء بالمحرم. وذكروا في سبب عمل عمر التاريخ أشياء: منها ما أخرجه أبو نعيم الفضل بن دكين في تاريخه ومن طريقه الحاكم من طريق الشعبي " أن أبا موسى كتب إلى عمر: إنه يأتينا منك كتب ليس لها تاريخ، فجمع عمر الناس، فقال بعضهم: أرخ بالمبعث، وبعضهم أرخ بالهجرة، فقال عمر: الهجرة فرقت بين الحق والباطل فأرخوا بها، وذلك سنة سبع عشرة. فلما اتفقوا قال بعضهم ابدءوا برمضان فقال عمر: بل بالمحرم فإنه منصرف الناس من حجهم، فاتفقوا عليه " وقيل أول من أرخ التاريخ يعلى بن أمية حيث كان باليمن أخرجه أحمد بن حنبل بإسناد صحيح، لكن فيه انقطاع بين عمرو بن دينار ويعلي، وروى أحمد وأبو عروبة في " الأوائل " والبخاري في " الأدب " والحاكم من طريق ميمون بن مهران قال رفع لعمر صك محله شعبان فقال: أي شعبان؛ الماضي أو الذي نحن فيه، أو الآتي؟ ضعوا للناس شيئا يعرفونه فذكر نحو الأول. وروى الحاكم عن سعيد بن المسيب قال " جمع عمر الناس فسألهم عن أول يوم يكتب التاريخ، فقال علي: من يوم هاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم وترك أرض الشرك، ففعله عمر " وروى ابن أبي خيمة من طريق ابن سيرين قال " قدم رجل من اليمن فقال: رأيت باليمن شيئا يسمونه التاريخ يكتبونه من عام كذا وشهر كذا، فقال عمر: هذا حسن فأرخوا، فلما جمع على ذلك قال قوم: أرخوا للمولد. وقال قائل للمبعث. وقال قائل من حين خرج مهاجرا. وقال قائل من حين توفي، فقال عمر: أرخوا من خروجه من مكة إلى المدينة. ثم قال: بأي شهر نبدأ: فقال قوم: من رجب. وقال قائل: من رمضان، فقال عثمان: أرخوا المحرم فإنه شهر حرام وهو أول السنة ومنصرف الناس من الحج، قال وكان ذلك سنة سبع عشرة - وقيل: سنة ست عشرة - في ربيع الأول " فاستفدنا من جموع هذه الآثار أن الذي أشار بالمحرم عمر وعثمان وعلي رضي الله عنهم. الحديث: حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ فُرِضَتْ الصَّلَاةُ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ هَاجَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَفُرِضَتْ أَرْبَعًا وَتُرِكَتْ صَلَاةُ السَّفَرِ عَلَى الْأُولَى تَابَعَهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ الشرح: قوله: (فرضت الصلاة ركعتين) أي بمكة وقوله " تركت " أي على ما كانت عليه من عدم وجوب الزائد، بخلاف صلاة الحضر فإنها زيدت في ثلاث منها ركعتان، فالمعنى أقرت صلاة السفر على جواز الإتمام وإن كان الأحب القصر، وقد تقدم ما فيه من الإشكال في أول كتاب الصلاة. قوله: (تابعه عبد الرزاق عن معمر) وصله الإسماعيلي من طريق فياض بن زهير عن عبد الرزاق بلفظه، وذكر ابن جرير عن الواقدي أن الزيادة في صلاة الحضر كانت بعد قدوم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة بشهر واحد، قال: وزعم أنه لا خلاف بين أهل الحجاز في ذلك. *3* الشرح: قوله: (باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: اللهم أمض لأصحابي هجرتهم، ومرثيته لمن مات بمكة) بتخفيف التحتانية وهو عطف على قول. والمرثية تعديد محاسن الميت، والمراد هنا التوجع له لكونه مات في البلد التي هاجر منها، وقد تقدم بيان الحكمة في ذلك قبل بباب. الحديث: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ قَزَعَةَ حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عَامِرِ بْنِ سَعْدِ بْنِ مَالِكٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ عَادَنِي النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَامَ حَجَّةِ الْوَدَاعِ مِنْ مَرَضٍ أَشْفَيْتُ مِنْهُ عَلَى الْمَوْتِ فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ بَلَغَ بِي مِنْ الْوَجَعِ مَا تَرَى وَأَنَا ذُو مَالٍ وَلَا يَرِثُنِي إِلَّا ابْنَةٌ لِي وَاحِدَةٌ أَفَأَتَصَدَّقُ بِثُلُثَيْ مَالِي قَالَ لَا قَالَ فَأَتَصَدَّقُ بِشَطْرِهِ قَالَ الثُّلُثُ يَا سَعْدُ وَالثُّلُثُ كَثِيرٌ إِنَّكَ أَنْ تَذَرَ ذُرِّيَّتَكَ أَغْنِيَاءَ خَيْرٌ مِنْ أَنْ تَذَرَهُمْ عَالَةً يَتَكَفَّفُونَ النَّاسَ وَلَسْتَ بِنَافِقٍ نَفَقَةً تَبْتَغِي بِهَا وَجْهَ اللَّهِ إِلَّا آجَرَكَ اللَّهُ بِهَا حَتَّى اللُّقْمَةَ تَجْعَلُهَا فِي فِي امْرَأَتِكَ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أُخَلَّفُ بَعْدَ أَصْحَابِي قَالَ إِنَّكَ لَنْ تُخَلَّفَ فَتَعْمَلَ عَمَلًا تَبْتَغِي بِهَا وَجْهَ اللَّهِ إِلَّا ازْدَدْتَ بِهِ دَرَجَةً وَرِفْعَةً وَلَعَلَّكَ تُخَلَّفُ حَتَّى يَنْتَفِعَ بِكَ أَقْوَامٌ وَيُضَرَّ بِكَ آخَرُونَ اللَّهُمَّ أَمْضِ لِأَصْحَابِي هِجْرَتَهُمْ وَلَا تَرُدَّهُمْ عَلَى أَعْقَابِهِمْ لَكِنْ الْبَائِسُ سَعْدُ بْنُ خَوْلَةَ يَرْثِي لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ تُوُفِّيَ بِمَكَّةَ وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ وَمُوسَى عَنْ إِبْرَاهِيمَ أَنْ تَذَرَ وَرَثَتَكَ الشرح: قوله: (ورثتك) كذا للأكثر، وللكشميهني والقابسي " ذريتك " ورواية الجماعة أولى لأن هذه اللفظة قد بين البخاري أنها لغير يحيى بن قزعة شيخه هنا. قوله: (و لست بنافق) كذا هنا، وللكشميهني " بمنفق " وهو الصواب. قوله: (أن مات بمكة) هو بفتح الهمزة للتعليل، وأغرب الداودي فتردد فيه فقال: إن كان بالفتح ففيه دلالة على أنه أقام بمكة بعد الصدر من حجته ثم مات، وإن كان بالكسر ففيه دليل على أنه قيل له إنه يريد التخلف بعد الصدر فخشي عليه أن يدركه أجله بمكة. قلت: والمضبوط المحفوظ بالفتح، لكن ليس فيه دلالة على أنه أقام بعد حجه، لأن السياق يدل على أنه مات قبل الحج، والله أعلم. قوله: (وقال أحمد بن يونس وموسى عن إبراهيم) يعني ابن سند (أن تذر ورثتك) أما رواية أحمد بن يونس فأخرجها المصنف في حجة الوداع في آخر المغازي، وأما رواية موسى وهو ابن إسماعيل فأخرجها المؤلف في الدعوات. *3* وَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ آخَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنِي وَبَيْنَ سَعْدِ بْنِ الرَّبِيعِ لَمَّا قَدِمْنَا الْمَدِينَةَ وَقَالَ أَبُو جُحَيْفَةَ آخَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ سَلْمَانَ وَأَبِي الدَّرْدَاءِ الشرح: قوله: (باب كيف آخى النبي صلى الله عليه وسلم بين أصحابه) تقدم في مناقب الأنصار " باب آخى النبي صلى الله عليه وسلم بين المهاجرين والأنصار " قال ابن عبد البر كانت المؤاخاة مرتين: مرة بين المهاجرين خاصة وذلك بمكة، ومرة بين المهاجرين والأنصار فهي المقصودة هنا. وذكر ابن سند بأسانيد الواقدي إلى جماعة من التابعين قالوا: لما قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة آخى بين المهاجرين، وآخى بين المهاجرين والأنصار على المواساة، وكانوا يتوارثون، وكانوا تسنين نفسا بعضهم من المهاجرين وبعضهم من الأنصار، وقيل كانوا مائة، فلما نزل: (وأولو الأرحام) بطلت المواريث بينهم بتلك المؤاخاة. قلت: وسيأتي في الفرائض من حديث ابن عباس " لما قدموا المدينة كان يرث المهاجري الأنصاري دون ذوي رحمه بالأخوة التي آخى رسول الله صلى الله عليه وسلم بينهما، فنزلت " وعند أحمد من رواية عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده نحوه، قال السهيلي: آخى بين أصحابه ليذهب عنهم وحشة الغربة ويتأنسوا من مفارقة الأهل والعشيرة ويشد بعضهم أزر بعض، فلما عز الإسلام واجتمع الشمل وذهبت الوحشة أبطل المواريث وجعل المؤمنين كلهم إخوة وأنزل قبل بنائه، وقيل: بسنة وثلاثة أشهر قبل بدر، وعند أبي سعيد في " شرف المصطفى " كان الإخاء بينهم في المسجد، وذكر محمد بن إسحاق المؤاخاة فقال " قال رسول الله لأصحابه بعد أن هاجر: تآخوا أخوين، فكان هو وعلي أخوين، وحمزة وزيد بن حارثة أخوين، وجعفر بن أبي طالب ومعاذ بن جبل أخوين " وتعقبه ابن هشام بأن جعفرا كان يومئذ بالحبشة، وفي هذا نظر، وقد تقدم. ووجهها العماد بن كثير بأنه أرصده لأخوته حتى يقدم، وفي تفسير سنيد: آخى بين معاذ وابن مسعود، وأبو بكر وخارجة بن زيد أخوين، وعمر وعتبان بن مالك أخوين، وقد تقدم في أوائل الصلاة قول عمر " كان لي أخ من الأنصار " وفسر بعتبان، ويمكن أن يكون أخوته له تراخت كما في أبي الدرداء وسلمان. ومصعب بن عمير وأبو أيوب أخوين، وأبو حذيفة بن عتبة وعباد بن بشر أخوين، ويقال بل عمار وثابت بن قيس لأن حذيفة إنما أسلم زمان أحد، وأبو ذر والمنذر بن عمرو أخوين، وتعقب بأن أبا ذر تأخرت هجرته، والجواب كما في جعفر، وحاطب بن أبي بلتعة وعويم بن ساعدة أخوين وسلمان وأبو الدرداء أخوين، وتعقب بأن سلمان تأخر إسلامه وكذا أبو الدرداء، والجواب ما تقدم في جعفر. وكان ابتداء المؤاخاة أوائل قدومه المدينة، واستمر يجددها بحسب من يدخل في الإسلام أو يحضر إلى المدينة، والإخاء بين سلمان وأبي الدرداء صحيح كما في الباب وعند ابن سعد وآخى بين أبي الدرداء وعوف بن مالك وسنده ضعيف، والمعتمد ما في الصحيح، وعبد الرحمن بن عوف وسعد بن الربيع مذكور في هذا الباب، وسمى ابن عبد البر جماعة آخرين. وأنكر ابن تيمية في كتاب الرد على ابن المطهر الرافضي المؤاخاة بين المهاجرين وخصوصا مؤاخاة النبي صلى الله عليه وسلم لعلي قال: لأن المؤاخاة شرعت لإرفاق بعضهم ولتأليف قلوب بعضهم فلا معنى لمؤاخاة النبي صلى الله عليه وسلم لأحد منهم ولا لمؤاخاة مهاجري لمهاجري، وهذا رد للنص بالقياس وإغفال عن حكمة المؤاخاة لأن بعض المهاجرين كان أقوى من بعض بالمال والعشيرة والقوى فآخى بين الأعلى والأدنى ليرتفق الأدنى بالأعلى ويستعين الأعلى بالأدنى وبهذا تظهر مؤاخاته صلى الله عليه وسلم لعلي لأنه هو الذي كان يقوم به من عهد الصبا من قبل البعثة واستمر، وكذا مؤاخاة حمزة وزيد بن حارثة لأن زيدا مولاهم فقد ثبت أخوتهما وهما من المهاجرين، وسيأتي في عمرة القضاء قول زيد بن حارثة: إن بنت حمزة بنت أخي. وأخرج الحاكم وابن عبد البر بسند حسن عن أبي الشعثاء عن ابن عباس " آخى النبي صلى الله عليه وسلم بين الزبير وابن مسعود " وهما من المهاجرين. قلت: وأخرجه الضياء في المختارة من المعجم الكبير للطبراني وابن تيمية يصرح بأن أحاديث المختارة أصح وأقوى من أحاديث المستدرك، وقصة المؤاخاة الأولى أخرجها الحاكم من طريق جميع بن عمير عن ابن عمر " آخى رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أبي بكر وعمر، وبين طلحة والزبير، وبين عبد الرحمن بن عوف وعثمان - وذكر جماعة قال - فقال علي: يا رسول الله إنك آخيت بين أصحابك فمن أخي؟ قال أنا أخوك " وإذا الضم هذا إلى ما تقدم تقوى به، وقد تقدم في " باب الكفالة " قبيل كتاب الوكالة الكلام على حديث " لا حلف في الإسلام " بما يغني عن الإعادة، وقد سبق كلام السهيلي في حكمة ذلك الميراث، وسيأتي في الفرائد حديث ابن عباس " كان المهاجرون لما قدموا المدينة يرث المهاجري الأنصاري دون ذوي رحمه للأخوة". الحديث الأول: قوله: (وقال عبد الرحمن بن عوف: آخى النبي صلى الله عليه وسلم بيني وبين سعد بن الربيع) هو طرف من حديث تقدم موصولا في أوائل البيوع من طريق إبراهيم بن سعد عن أبيه وهو سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف عن جده قال: " قال عبد الرحمن بن عوف لما قدمنا المدينة آخى النبي صلى الله عليه وسلم بيني وبين سعد بن الربيع، فقال سعد: إني أكثر الأنصار مالا فأقاسمك مالي " الحديث، وظن الشيخ عماد الدين بن كثير أن البخاري أشار بهذا التعليق إلى حديث أنس فقال: قصة عبد الرحمن لا تعرف مسندة عنه، وإنما أسندها البخاري وغيره عن أنس، قال: فلعل البخاري أراد أن أنسا حملها عن عبد الرحمن بن عوف انتهى. والذي ادعاه مردود لثبوته في الصحيح. الحديث الثاني: قوله: (وقال أبو جحيفة آخى النبي صلى الله عليه وسلم بين سلمان وأبي الدرداء) هو طرف من حديث وصله بتمامه في كتاب الصيام، والغرض منه التنبيه على تسمية من وقع الإخاء بينهم من المهاجرين والأنصار، فذكر هذا والذي بعده من إخاء سعد بن الربيع وعبد الرحمن بن عوف، ولمسلم من طريق ثابت عن أنس " آخى النبي صلى الله عليه وسلم بين أبى طلحة وأبي عبيدة " وتقدم في الإيمان حديث عمر " كان لي أخ من الأنصار وكنا نتناوب النزول " وذكر ابن إسحاق أنه عتبان بن مالك، وكان أبو بكر الصديق وحارثة بن زيد أخوين فيما ذكره ابن إسحاق أيضا. الحديث الثالث: حديث أنس في قصة إخاء سعد بن الربيع وعبد الرحمن بن عوف وسيأتي شرحه في كتاب النكاح. الحديث: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ حُمَيْدٍ عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قَدِمَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ الْمَدِينَةَ فَآخَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ سَعْدِ بْنِ الرَّبِيعِ الْأَنْصَارِيِّ فَعَرَضَ عَلَيْهِ أَنْ يُنَاصِفَهُ أَهْلَهُ وَمَالَهُ فَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بَارَكَ اللَّهُ لَكَ فِي أَهْلِكَ وَمَالِكَ دُلَّنِي عَلَى السُّوقِ فَرَبِحَ شَيْئًا مِنْ أَقِطٍ وَسَمْنٍ فَرَآهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ أَيَّامٍ وَعَلَيْهِ وَضَرٌ مِنْ صُفْرَةٍ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَهْيَمْ يَا عَبْدَ الرَّحْمَنِ قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ تَزَوَّجْتُ امْرَأَةً مِنْ الْأَنْصَارِ قَالَ فَمَا سُقْتَ فِيهَا فَقَالَ وَزْنَ نَوَاةٍ مِنْ ذَهَبٍ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْلِمْ وَلَوْ بِشَاةٍ الشرح: حديث أنس في قصة إخاء سعد بن الربيع وعبد الرحمن بن عوف وسيأتي شرحه في كتاب النكاح. الحديث: حَدَّثَنِي حَامِدُ بْنُ عُمَرَ عَنْ بِشْرِ بْنِ الْمُفَضَّلِ حَدَّثَنَا حُمَيْدٌ حَدَّثَنَا أَنَسٌ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ سَلَامٍ بَلَغَهُ مَقْدَمُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ فَأَتَاهُ يَسْأَلُهُ عَنْ أَشْيَاءَ فَقَالَ إِنِّي سَائِلُكَ عَنْ ثَلَاثٍ لَا يَعْلَمُهُنَّ إِلَّا نَبِيٌّ مَا أَوَّلُ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ وَمَا أَوَّلُ طَعَامٍ يَأْكُلُهُ أَهْلُ الْجَنَّةِ وَمَا بَالُ الْوَلَدِ يَنْزِعُ إِلَى أَبِيهِ أَوْ إِلَى أُمِّهِ قَالَ أَخْبَرَنِي بِهِ جِبْرِيلُ آنِفًا قَالَ ابْنُ سَلَامٍ ذَاكَ عَدُوُّ الْيَهُودِ مِنْ الْمَلَائِكَةِ قَالَ أَمَّا أَوَّلُ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ فَنَارٌ تَحْشُرُهُمْ مِنْ الْمَشْرِقِ إِلَى الْمَغْرِبِ وَأَمَّا أَوَّلُ طَعَامٍ يَأْكُلُهُ أَهْلُ الْجَنَّةِ فَزِيَادَةُ كَبِدِ الْحُوتِ وَأَمَّا الْوَلَدُ فَإِذَا سَبَقَ مَاءُ الرَّجُلِ مَاءَ الْمَرْأَةِ نَزَعَ الْوَلَدَ وَإِذَا سَبَقَ مَاءُ الْمَرْأَةِ مَاءَ الرَّجُلِ نَزَعَتْ الْوَلَدَ قَالَ أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّكَ رَسُولُ اللَّهِ قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ الْيَهُودَ قَوْمٌ بُهُتٌ فَاسْأَلْهُمْ عَنِّي قَبْلَ أَنْ يَعْلَمُوا بِإِسْلَامِي فَجَاءَتْ الْيَهُودُ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيُّ رَجُلٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلَامٍ فِيكُمْ قَالُوا خَيْرُنَا وَابْنُ خَيْرِنَا وَأَفْضَلُنَا وَابْنُ أَفْضَلِنَا فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَسْلَمَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلَامٍ قَالُوا أَعَاذَهُ اللَّهُ مِنْ ذَلِكَ فَأَعَادَ عَلَيْهِمْ فَقَالُوا مِثْلَ ذَلِكَ فَخَرَجَ إِلَيْهِمْ عَبْدُ اللَّهِ فَقَالَ أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ قَالُوا شَرُّنَا وَابْنُ شَرِّنَا وَتَنَقَّصُوهُ قَالَ هَذَا كُنْتُ أَخَافُ يَا رَسُولَ اللَّهِ الشرح: قوله: (باب) كذا لهم بغير ترجمة، وهو كالفصل من الباب الذي بعده، ولعله كان بعده قوله: (عن أنس) صرح به الإسماعيلي فقال في رواية له عن حميد " حدثنا أنس " أخرجها عن ابن خزيمة عن محمد بن عبد الأعلى عن بشر بن المفضل. قوله: (أن عبد الله بن سلام بلغه) تقدم بيان ذلك في " باب مقدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة " من وجه آخر. قوله: (ذاك عدو اليهود من الملائكة) سيأتي شرح هذا في تفسير سورة البقرة. قوله: (أما أول أشراط الساعة فنار تحشرهم من المشرق إلى المغرب) في رواية عبد الله بن بكر عن حميد في التفسير " تحشر الناس " وسيأتي الكلام على ذلك مستوفى في أواخر كتاب الرقاق. قوله: (وأما أول طعام يأكله أهل الجنة فزيادة كبد الحوت) الزيادة هي القطعة المنفردة المعلقة في الكبد، وهي في المطعم في غاية اللذة، ويقال إنها أهنأ طعام وأمراه ووقع في حديث ثوبان أن تحفتهم حين يدخلون الجنة زيادة كبد النون والنون هو الحوت ويقال هو الحوت الذي عليه الأرض والإشارة بذلك إلى نفاذ الدنيا، في حديث ثوبان زيادة وهي " أنه ينحر لهم عقب ذلك نون الجنة الذي كان يأكل من أطرافها وشرابهم عليه من عين تسمى سلسبيلا " وذكر الطبري من طريق الضحاك عن ابن عباس قال " ينطح الثور الحوت بقرنه فتأكل منه أهل الجنة ثم يحيا فينحر الثور بذنبه فيأكلونه ثم يحيا فيستمران كذلك " وهذا منقطع ضعيف. قوله: (وأما الولد) في رواية الفزاري عن حميد في ترجمة آدم " وأما شبه الولد". قوله: (فإذا سبق ماء الرجل) وفي رواية الفزاري " فأن الرجل إذا غشى المرأة فسبقها ماؤه". قوله: (نزع الولد) بالنصب على المفعولية أي جذبه إليه. وفي رواية الفزاري " كان الشبه له " ووقع عند مسلم من حديث عائشة " إذا علا ماء الرجل ماء المرأة أشبه أعمامه، وإذا علا ماء المرأة ماء الرجل أشبه أخواله " ونحوه للبزار عن ابن مسعود وفيه " ماء الرجل أبيض غليظ، وماء المرأة أصفر رقيق فأيهما أعلى كان الشبه له " والمراد بالعلو هنا السبق، لأن كل من سبق فقد علا شأنه فهو علو معنوي، وأما ما وقع عند مسلم من حديث ثوبان رفعه " ماء الرجل أبيض وماء المرأة أصفر فإذا اجتمعا فعلا مني الرجل مني المرأة أذكرا بإذن الله، وإذا علا مني المرأة مني الرجل أنثا بإذن الله " فهو مشكل من جهة أنه يلزم منه اقتران الشبه للأعمام إذا علا ماء الرجل ويكون ذكرا لا أنثى وعكسه، والمشاهد خلاف ذلك لأنه قد يكون ذكرا ويشبه أخواله لا أعمامه وعكسه، قال القرطبي: يتعين تأويل حديث ثوبان بأن المراد بالعلو السبق. قلت: والذي يظهر ما قدمته وهو تأويل العلو في حديث عائشة وأما حديث ثوبان فيبقى العلو فيه على ظاهره فيكون السبق علامة التذكير والتأنيث والعلو علامة الشبه فيرتفع الإشكال، وكأن المراد بالعلو الذي يكون سبب الشبه بحسب الكثرة بحيث يصير الآخر مغمورا فيه فبذلك يحصل الشبه، وينقسم ذلك ستة أقسام: الأول أن يسبق ماء الرجل ويكون أكثر فيحصل له الذكورة والشبه، والثاني عكسه، والثالث أن يسبق ماء الرجل ويكون ماء المرأة أكثر فتحصل الذكورة والشبه للمرأة، والرابع عكسه، والخامس أن يسبق ماء الرجل ويستويان فيذكر ولا يختص بشبه، والسادس عكسه. قوله: (قوم بهت) بضم الموحدة والهاء ويجوز إسكانها جمع بهيت كقضيب وقضب وقليب وقلب، وهو الذي يبهت السامع بما يفتريه عليه من الكذب، ونقل الكرماني أن مفرده بهوت بفتح أوله. قوله: (فاسألهم) في رواية الفزاري عن حميد عند النسائي " إن علموا بإسلامي قبل أن تسألهم عني بهتوني عندك". قوله: (فجاءت اليهود) زاد في رواية الفزاري " ودخل عبد الله داخل البيت " وفي رواية عبد الله بن بكر عن حميد " فأرسل إلى اليهود فجاءوا " الحديث ظاهره التعميم، والذي يقتضيه السياق تخصيص من كان له بعبد الله بن سلام تعلق وأقرب ذلك عشيرته من بني قينقاع، فقد ذكر ابن إسحاق فيهم فقال في أوائل الهجرة من كتاب المغازي: في ذكر من كان من اليهود ومن بني قينقاع زيد بن اللصيب وسعد بن حيية ومحمود بن سبيحان وعزيز بن أبي عزيز وعبد الله بن الصيف وسعيد بن الحرث ورفاعة بن قيس وفنحاص وأشيع ونعمان بن أصبا ويحري بن عمرو وشأس بن قيس وشأس بن عدي وزيد بن الحارث ونعمان بن عمر وسكين بن أبي سكين وعدي بن زيد ونعمان بن أبي أوفى ومحمود بن دحية ومالك بن - الضيف وكعب بن راشد وعازب بن نافع بن أبي رافع وخالد وازر ابني أبي أزار ورافع بن حارثة ورافع بن حرملة ورافع بن خارجة ومالك بن عوف ورفاعة بن التابوت وعبد الله بن سلام بن الحارث وكان حبرهم وأعلمهم، وكان اسمه الحصين فسماه رسول الله صلى الله عليه وسلم لما أسلم عبد الله، فهؤلاء بنو قينقاع. الحديث: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَمْرٍو سَمِعَ أَبَا الْمِنْهَالِ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ مُطْعِمٍ قَالَ بَاعَ شَرِيكٌ لِي دَرَاهِمَ فِي السُّوقِ نَسِيئَةً فَقُلْتُ سُبْحَانَ اللَّهِ أَيَصْلُحُ هَذَا فَقَالَ سُبْحَانَ اللَّهِ وَاللَّهِ لَقَدْ بِعْتُهَا فِي السُّوقِ فَمَا عَابَهُ أَحَدٌ فَسَأَلْتُ الْبَرَاءَ بْنَ عَازِبٍ فَقَالَ قَدِمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَنَحْنُ نَتَبَايَعُ هَذَا الْبَيْعَ فَقَالَ مَا كَانَ يَدًا بِيَدٍ فَلَيْسَ بِهِ بَأْسٌ وَمَا كَانَ نَسِيئَةً فَلَا يَصْلُحُ وَالْقَ زَيْدَ بْنَ أَرْقَمَ فَاسْأَلْهُ فَإِنَّهُ كَانَ أَعْظَمَنَا تِجَارَةً فَسَأَلْتُ زَيْدَ بْنَ أَرْقَمَ فَقَالَ مِثْلَهُ وَقَالَ سُفْيَانُ مَرَّةً فَقَالَ قَدِمَ عَلَيْنَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ وَنَحْنُ نَتَبَايَعُ وَقَالَ نَسِيئَةً إِلَى الْمَوْسِمِ أَوْ الْحَجِّ الشرح: قوله: (عن عمرو) هو ابن دينار. قوله: (باع شريك لي دراهم في السوق نسيئة) قد تقدم شرحه في كتاب الشركة، والغرض منه هنا قوله: " قدم علينا المدينة ونحن نتبايع " فإنه يستفاد منه أنه صلى الله عليه وسلم أقرهم على ما وجدهم عليه من المعاملات إلا ما استثناه فبينه لهم. *3* حِينَ قَدِمَ الْمَدِينَةَ هَادُوا صَارُوا يَهُودًا وَأَمَّا قَوْلُهُ هُدْنَا تُبْنَا هَائِدٌ تَائِبٌ الشرح: قوله: (باب إتيان اليهود النبي صلى الله عليه وسلم حين قدم المدينة) وذكر ابن عائذ من طريق عروة أن أول من أتاه منهم أبو ياسر بن أخطب أخو حيي بن أخطب فسمع منه " فلما رجع قال لقومه: أطيعوني فإن هذا النبي الذي كنا ننتظر. فعصاه أخوه وكان مطاعا فيهم، فاستحوذ عليه الشيطان فأطاعوه على ما قال. وروى أبو سعيد في " شرف المصطفى " من طريق سعيد بن جبير " جاء ميمون بن يامين وكان رأس اليهود إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله ابعث إليهم فاجعلني حكما فإنهم يرجعون إلي، فأدخله داخلا، ثم أرسل إليهم فأتوه فخاطبوه فقال: اختاروا رجلا يكون حكما بيني وبينكم، قالوا قد رضينا ميمون بن يامين. فقال: اخرج إليهم فقال: أشهد أنه رسول الله، فأبوا أن يصدقوه. وذكر ابن إسحاق أن النبي صلى الله عليه وسلم وادع اليهود لما قدم المدينة وامتنعوا من اتباعه، فكتب بينهم كتابا، وكانوا ثلاث قبائل: قينقاع والنضير وقريظة، فنقض الثلاثة العهد طائفة بعد طائفة، فمن على بني قينقاع وأجلى بني النضير واستأصل بني قريظة، وسيأتي بيان ذلك كله مفصلا إن شاء الله تعالى. وذكر ابن إسحاق أيضا عن الزهري " سمعت رجلا من مزينة يحدث سعيد بن المسيب عن أبي هريرة أن أحبار يهود اجتمعوا في بيت المدراس حين قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة فقالوا: غدا انطلقوا إلى هذا الرجل فاسألوه عن حد الزاني " فذكر الحديث. قوله: (هادوا صاروا يهودا، وأما قوله: هدنا تبنا هائد تائب) قال أبو عبيدة في قوله تعالى الحديث: حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ حَدَّثَنَا قُرَّةُ عَنْ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَوْ آمَنَ بِي عَشَرَةٌ مِنْ الْيَهُودِ لآمَنَ بِي الْيَهُودُ الشرح: قوله: (حدثنا قرة) هو ابن خالد، ومحمد هو ابن سيرين والإسناد كله بصريون. قوله: (لو آمن بي عشرة من اليهود لأمن بي اليهود) في رواية الإسماعيلي " لم يبق يهودي إلا أسلم " وكذا أخرجه أبو سعيد في " شرف المصطفى " وزاد في آخره قال " قال كعب هم الذين سماهم الله في سورة المائدة " فعلى هذا فالمراد عشرة مختصة وإلا فقد آمن به أكثر من عشرة، وقيل المعنى لو آمن بي في الزمن الماضي كالزمن الذي قبل قدوم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة أو حال قدومه، والذي يظهر أنهم الذين كانوا حينئذ رؤساء في اليهود ومن عداهم كان تبعا لهم، فلم يسلم منهم إلا القليل كعبد الله بن سلام وكان من المشهورين بالرياسة في اليهود عند قدوم النبي صلى الله عليه وسلم، ومن بني النضير أبو ياسر بن أخطب وأخوه حيي بن أخطب وكعب بن الأشرف ورافع بن أبي الحقيق، ومن بني قينقاع عبد الله بن حنيف وفنحاص ورفاعة بن زيد، ومن بني قريظة الزبير بن باطيا وكعب بن أسد وشمويل بن زيد، فهؤلاء لم يثبت إسلام أحد منهم، وكان كل منهم رئيسا في اليهود ولو أسلم لاتبعه جماعة منهم، فيحتمل أن يكونوا المراد. وقد روى أبو نعيم في " الدلائل " من وجه آخر الحديث بلفظ " لو آمن بي الزبير بن باطيا وذووه من رؤساء يهود لأسلموا كلهم " وأغرب السهيلي فقال: لم يسلم من أحبار اليهود إلا اثنان يعني عبد الله بن سلام وعبد الله بن صوريا، كذا قال، ولم أر لعبد الله بن صوريا إسلاما من طريق صحيحة، وإنما نسبه السهيلي في موضع آخر لتفسير النقاش، وسيأتي في " باب أحكام أهل الذمة " من كتاب المحاربين شيء يتعلق بذلك ووقع عند ابن حبان قصة إسلام جماعة من الأحبار كزيد بن سعفة مطولا. وروى البيهقي أن يهوديا سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ سورة يوسف فجاء ومعه نفر من اليهود فأسلموا كلهم، لكن يحتمل أن لا يكونوا أحبارا، وحديث ميمون بن يامين قد تقدم في الباب. وأخرج يحيى بن سلام في تفسيره من وجه آخر عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة هذا الحديث فقال " قال كعب إنما الحديث اثنا عشر لقول الله تعالى الحديث: حَدَّثَنِي أَحْمَدُ أَوْ مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ الْغُدَانِيُّ حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ أُسَامَةَ أَخْبَرَنَا أَبُو عُمَيْسٍ عَنْ قَيْسِ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ طَارِقِ بْنِ شِهَابٍ عَنْ أَبِي مُوسَى رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ دَخَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ وَإِذَا أُنَاسٌ مِنْ الْيَهُودِ يُعَظِّمُونَ عَاشُورَاءَ وَيَصُومُونَهُ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَحْنُ أَحَقُّ بِصَوْمِهِ فَأَمَرَ بِصَوْمِهِ الشرح: قوله: (حدثنا أحمد أو محمد بن عبيد الله) بالتصغير. وفي رواية السرخسي والمستملي " ابن عبد الله " مكبر والأول أصح وأشهر، واسم جده سهيل وهو الغداني بضم المعجمة وتخفيف المهملة، شك البخاري في اسمه هنا، وقد ذكره في التاريخ فيمن اسمه أحمد بغير شك. قوله: (عن أبي موسى) وقع لبعضهم عن أبي مسعود وهو غلط. قوله: (دخل النبي) في رواية الكشميهني " قدم " وقد تقدم الكلام عليه في الصيام. الحديث: حَدَّثَنَا زِيَادُ بْنُ أَيُّوبَ حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ حَدَّثَنَا أَبُو بِشْرٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ لَمَّا قَدِمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ وَجَدَ الْيَهُودَ يَصُومُونَ عَاشُورَاءَ فَسُئِلُوا عَنْ ذَلِكَ فَقَالُوا هَذَا الْيَوْمُ الَّذِي أَظْفَرَ اللَّهُ فِيهِ مُوسَى وَبَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى فِرْعَوْنَ وَنَحْنُ نَصُومُهُ تَعْظِيمًا لَهُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَحْنُ أَوْلَى بِمُوسَى مِنْكُمْ ثُمَّ أَمَرَ بِصَوْمِهِ الشرح: قوله: (لما قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة وجد اليهود يصومون عاشوراء) استشكل هذا لأن قدومه صلى الله عليه وسلم إنما كان في ربيع الأول، وأجيب باحتمال أن يكون علمه بذلك تأخر إلى أن دخلت السنة الثانية، قال بعض المتأخرين يحتمل أن يكون صيامهم كان على حساب الأشهر الشمسية فلا يمتنع أن يقع عاشوراء في ربيع الأول ويرتفع الإشكال بالكلية، هكذا قرره ابن القيم في " الهدى " قال وصيام أهل الكتاب إنما هو بحساب سير الشمس. قلت: وما ادعاه من رفع الإشكال عجيب، لأنه يلزم منه إشكال آخر وهو أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر المسلمين أن يصوموا عاشوراء بالحساب والمعروف من حال المسلمين في كل عصر في صيام عاشوراء أنه في المحرم لا في غيره من الشهور، نعم وجدت في الطبراني بإسناد جيد عن زيد بن ثابت قال " ليس يوم عاشوراء باليوم الذي يقول الناس، إنما كان يوم تستر فيه الكعبة وتقلس فيه الحبشة، وكان يدور في السنة، وكان الناس يأتون فلانا اليهودي يسألونه، فلما مات أتوا زيد بن ثابت فسألوه " فعلى هذا فطريق الجمع أن تقول كان الأصل فيه ذلك، فلما أمر النبي صلى الله عليه وسلم بصيام عاشوراء رده إلى حكم شرعه وهو الاعتبار بالأهلة فأخذ أهل الإسلام بذلك، لكن في الذي ادعاه أن أهل الكتاب يبنون صومهم على حساب الشمس نظر، فإن اليهود لا يعتبرون في صومهم إلا بالأهلة، هذا الذي شاهدناه منهم، فيحتمل أن يكون فيهم من كان يعتبر الشهور بحساب الشمس لكن لا وجود له الآن، كما انقرض الذين أخبر الله عنهم أنهم يقولون عزير ابن الله، تعالى الله عن ذلك. وفي الحديث إشكال آخر سبق الجواب عنه في كتاب الصيام. قوله: (فأمر بصومه) في رواية الكشميهني " ثم أمر بصومه" الحديث: حَدَّثَنَا عَبْدَانُ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ عَنْ يُونُسَ عَنْ الزُّهْرِيِّ قَالَ أَخْبَرَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَسْدِلُ شَعْرَهُ وَكَانَ الْمُشْرِكُونَ يَفْرُقُونَ رُءُوسَهُمْ وَكَانَ أَهْلُ الْكِتَابِ يَسْدِلُونَ رُءُوسَهُمْ وَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُحِبُّ مُوَافَقَةَ أَهْلِ الْكِتَابِ فِيمَا لَمْ يُؤْمَرْ فِيهِ بِشَيْءٍ ثُمَّ فَرَقَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأْسَهُ الشرح: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يسدل شعره) أي يرخيه. قوله: (عن عبيد الله بن عبد الله) هذا هو المحفوظ عن الزهري، ورواه مالك في " الموطأ " عن الزهري مرسلا لم يذكر من فوقه، وأغرب حماد بن خالد فرواه عن مالك عن الزهري عن أنس، قال أحمد بن حنبل: أخطأ فيه حماد بن خالد والمحفوظ عن الزهري " عن عبيد الله بن عبد الله عن ابن عباس". قوله: (ثم يفرقون) بفتح أوله وضم ثالثه. قوله: (ثم فرق النبي صلى الله عليه وسلم رأسه) بفتح الفاء والراء الخفيفة، وقد سبق شرحه في صفة النبي صلى الله عليه وسلم، وفيه دليل على أنه صلى الله عليه وسلم كان يوافق أهل الكتاب إذا خالفوا عبدة الأوثان أخذا بأخف الأمرين، فلما فتحت مكة ودخل عباد الأوثان في الإسلام رجع إلى مخالفة باقي الكفار وهم أهل الكتاب. الحديث: حَدَّثَنِي زِيَادُ بْنُ أَيُّوبَ حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ أَخْبَرَنَا أَبُو بِشْرٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ هُمْ أَهْلُ الْكِتَابِ جَزَّءُوهُ أَجْزَاءً فَآمَنُوا بِبَعْضِهِ وَكَفَرُوا بِبَعْضِهِ يَعْنِي قَوْلَ اللَّهِ تَعَالَى الَّذِينَ جَعَلُوا الْقُرْآنَ عِضِينَ الشرح: حديث ابن عباس (قال هم أهل الكتاب جزءوه أجزاء فآمنوا ببعضه وكفروا ببعضه) زاد الكشميهني: يعني قول الله تعالى *3* الشرح: قوله: (باب إسلام سلمان الفارسي) تقدمت ترجمته في البيوع. الحديث: حَدَّثَنِي الْحَسَنُ بْنُ عُمَرَ بْنِ شَقِيقٍ حَدَّثَنَا مُعْتَمِرٌ قَالَ أَبِي وَحَدَّثَنَا أَبُو عُثْمَانَ عَنْ سَلْمَانَ الْفَارِسِيِّ أَنَّهُ تَدَاوَلَهُ بِضْعَةَ عَشَرَ مِنْ رَبٍّ إِلَى رَبٍّ الشرح: قوله: (قال أبي) هو سليمان بن طرخان التيمي وأبو عثمان هو النهدي. قوله: (تداوله بضعة عشر من رب إلى رب) أي من سيد إلى سيد، وكأنه لم يبلغه حديث أبي هريرة في النهي عن إطلاق رب على السيد، وقد مر في البيوع، وقد تقدم تفسير البضع وأنه من الثلاث إلى العشر على المشهور، وذكر ابن حبان والحاكم من طريق ابن عباس عن سلمان في قصته أنه كان ابن ملك وأنه خرج في طلب الدين هاربا وأنه انتقل من عابد إلى عابد إلى أن قدم يثرب، وقد تقدم في الشراء من المشركين من كتاب البيوع كيفية إسلام سلمان ومكاتبة الذي كان في رقه على غرس الودي. وزعم الداودي أن ولاء سلمان كان لأهل البيت لأنه أسلم على يد النبي صلى الله عليه وسلم فكان ولاؤه له، وتعقبه ابن التين بأنه ليس مذهب مالك، قال: والذي كاتب سلمان كان مستحقا لولائه إن كان مسلما، وإن كان كافرا فولاؤه للمسلمين. قلت: وفاته من وجوه الرد عليه أن النبي صلى الله عليه وسلم لا يورث فلا يورث عنه الولاء أيضا إن قلنا بولاء الإسلام على تقدير التنزل. الحديث: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَوْفٍ عَنْ أَبِي عُثْمَانَ قَالَ سَمِعْتُ سَلْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَقُولُ أَنَا مِنْ رَامَ هُرْمُزَ الشرح: قوله: (أنا من رام هرمز) في رواية بشر بن المفضل عن عوف بلفظ " أنا من أهل رام هرمز " بفتح الراء والميم وضم الهاء والميم بينهما راء ساكنة ثم زاي، مدينة معروفة بأرض فارس بقرب عراق العرب، ووقع في حديث ابن عباس عند أحمد وغيره أن سلمان كان من أصبهان، ويمكن الجمع باعتبارين. الحديث: حَدَّثَنِي الْحَسَنُ بْنُ مُدْرِكٍ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ حَمَّادٍ أَخْبَرَنَا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ عَاصِمٍ الْأَحْوَلِ عَنْ أَبِي عُثْمَانَ عَنْ سَلْمَانَ قَالَ فَتْرَةٌ بَيْنَ عِيسَى وَمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِمَا وَسَلَّمَ سِتُّ مِائَةِ سَنَةٍ الشرح: قوله: (فترة بين عيسى ومحمد عليهما الصلاة والسلام ستمائة سنة) والمراد بالفترة المدة التي لا يبعث فيها رسول من الله، ولا يمتنع أن ينبأ فيها من يدعو إلى شريعة الرسول الأخيرة ونقل ابن الجوزي الاتفاق على ما اقتضاه حديث سلمان هذا، وتعقب بأن الخلاف في ذلك منقول، فعن قتادة خمسمائة وستين سنة أخرجه عبد الرزاق عن معمر عنه، وعن الكلبي خمسمائة وأربعين، وقيل أربعمائة سنه. ووجه تعلق هذه الأحاديث بإسلام سلمان الإشارة إلى أن الأحاديث التي وردت في سياق قصته ما هي على شرط البخاري في الصحيح، وإن كان إسناد بعضها صالحا، وأما أحاديث الباب فمحصلها أنه أسلم بعد أن تداوله جماعة بالرق، وبعد أن هاجر من وطنه وغاب عنه هذه المدة الطويلة حتى من الله عليه بالإسلام طوعا. والله أعلم بالصواب.
|